سورة النور - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{فِى بُيُوتٍ} يتعلق {بمشكاة} أي كمشكاة في بعض بيوت الله وهي المساجد كأنه قيل: مثل نوره كما يرى في المسجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت، أو ب {توقد} أي توقد في بيوت، أو ب {يسبح} أي يسبح له رجال في بيوت. و{فيها} تكرير فيه توكيد نحو (زيد في الدار جالس فيها) أو بمحذوف أي سبحوا في بيوت {أَذِنَ الله} أي أمر {أَن تُرْفَعَ} تبنى كقوله {بناها رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} {وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم القواعد} [البقرة: 127] أن تعظم من الرفعة. وعن الحسن: ما أمر الله أن ترفع بالبناء ولكن بالتعظيم {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه} يتلى فيها كتابه أو هو عام في كل ذكر {يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال} أي يصلي له فيها بالغداة صلاة الفجر وبالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين. وإنما وحد الغدو لأن صلاته صلاة واحدة، وفي الآصال صلوات والآصال جمع أصل جمع أصيل وهو العشي {رِجَالٌ} فاعل {يسبح} {يسبح} شامي وأبو بكر ويسند إلى أحد الظروف الثلاثة أعني له فيها بالغدو و{رِجَالٌ} مرفوع بما دل عليه {يسبح} أي يسبح له {لاَّ تُلْهِيهِمْ} لا تشغلهم {تجارة} في السفر {وَلاَ بَيْعٌ} في الحضر. وقيل: التجارة الشراء إطلاقاً لاسم الجنس على النوع أو خص البيع بعد ماعم لأنه أوغل في الإلهاء من الشراء لأن الربح في البيعة الرابحة متيقن وفي الشراء مظنون {عَن ذِكْرِ الله} باللسان والقلب {وَإِقامِ الصلاة} أي وعن إقامة الصلاة. التاء في إقامة عوض من العين الساقطة للإعلال والأصل إقوام، فلما قلبت الواو ألفاً اجتمع ألفان فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين فأدخلت التاء عوضاً عن المحذوف، فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام التاء فأسقطت {وَإِيتاء الزكاة} أي وعن إيتاء الزكاة والمعنى لا تجارة لهم حتى تلهيهم كأولياء العزلة، أو يبيعون ويشترون ويذكرون الله مع ذلك وإذا حضرت الصلاة قاموا إليها غير متثاقلين كأولياء العشرة.
{يخافون يَوْماً} أي يوم القيامة و{يخافون} حال من الضمير في {تلهيهم} أو صفة أخرى ل {رجال} {تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب} ببلوغها إلى الحناجر {والأبصار} بالشخوص والزرقة أو تتقلب القلوب إلى الإيمان بعد الكفران والأبصار إلى العيان بعد إنكاره للطغيان كقوله {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} [ق: 22]


{لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} أي يسبحون ويخافون ليجزيهم الله أحسن جزاء أعمالهم أي ليجزيهم ثوابهم مضاعفاً ويزيدهم على الثواب الموعود على العمل تفضلاً {والله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي يثيب من يشاء ثواباً لا يدخل في حساب الخلق.
هذه صفات المهتدين بنور الله فأما الذين ضلوا عنه فالمذكورون في قوله {والذين كَفَرُواْ أعمالهم كَسَرَابٍ} هو ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهر يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري {بِقِيعَةٍ} بقاع أو جمع قاع وهو المنبسط المستوي من الأرض كجيرة في جار {يَحْسَبُهُ الظمان} يظنه العطشان {مَاءً حتى إِذَا جَاءهُ} أي جاء إلى ما توهم أنه ماء {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} كما ظنه {وَوَجَدَ الله} أي جزاء الله كقوله {يجد الله غفوراً رحيماً} [النساء: 110] أي يجد مغفرته ورحمته {عِندَهُ} عند الكافر {فوفاه حِسَابَهُ} أي أعطاه جزاء عمله وافياً كاملاً. وحد بعد تقدم الجمع حملاً على كل واحد من الكفار {والله سَرِيعُ الحساب} لأنه لا يحتاج إلى عد وعقد ولا يشغله حساب عن حساب، أو قريب حسابه لأن ما هو آتٍ قريب شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان ولا يتبع الحق من الأعمال الصالحة التي يحسبها تنفعه عند الله وتنجيه من عذابه، ثم يخيب في العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدر بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش يوم القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجد ما رجاه ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيعتلونه إلى جهنم فيسقونه الحميم والغساق وهم الذين قال الله فيهم: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ} {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] قيل: نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية كان يترهب ملتمساً للدين في الجاهلية فلما جاء الإسلام كفر.


{أَوْ كظلمات فِى بَحْرٍ} {أو} هنا كـ (أو) في {أَوْ كَصَيّبٍ} {لُّجّىّ} عميق كثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر {يغشاه} يغشى البحر أو من فيه يعلوه ويغطيه {مَوْجٍ} هو ما ارتفع من الماء {مّن فَوْقِهِ مَوْجٌ} أي من فوق الموج موج آخر {مّن فَوْقِهِ سَحَابٌ} من فوق الموج الأعلى سحاب {ظلمات} أي هذه ظلمات ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة البحر {بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} ظلمة الموج على ظلمة البحر وظلمة الموج على الموج وظلمة السحاب على الموج {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ} أي الواقع فيه {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} مبالغة في لم يرها أي لم يقرب أن يراها فضلاً عن أن يراها، شبه أعمالهم أولاً في فوات نفعها وحضور ضررها بسراب لم يجد من خدعه من بعيد شيئاً ولم يكفه خيبة وكمداً أن لم يجد شيئاً كغيره من السراب حتى وجد عنده الزبانية تعتله إلى النار، وشبهها ثانياً في ظلمتها وسوادها لكونها باطلة وفي خلوها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} من لم يهده الله لم يهتد عن الزجاج في الحديث: «خلق الله الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل» {أَلَمْ تَرَ} ألم تعلم يا محمد علماً يقوم مقام العيان في الإيقان {أَنَّ الله يُسَبّحُ لَهُ مَن فِى السماوات والأرض والطير} عطف على {من} {صافات} حال من {الطير} أي يصففن أجنحتهن في الهواء {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} الضمير في {علم} ل {كل} أو لله، وكذا في صلاته وتسبيحه. والصلاة الدعاء ولم يبعد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لايكاد العقلاء يتهتدون إليها {والله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} لا يعزب عن علمه شيء.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10